Wednesday, December 5, 2007

يُما لا - لـــيـــنـــا شـــمـــامـــيـــان






يوما لا لا

لا

يا لالالا

و إيش بِدِك مني يا خالة

و حياتك خليني بحالي

و خلي الحلوة بحالا



يوما لالا لاتخليني حِن

دايمًا على بالي بتعِن

ها الحلوة خلتني جِن

عيونا عيون الغزالة



يوما خلي الحلوة لأهلا

تمشي و تسرح ع هلا

ما شِفنا منها أحلَى

ها الحلوة زادت دلالا






Tuesday, December 4, 2007

مصر مش كدة , و لا كدة , ولا كدة .. أُمّال مصر إزاي بالضبط ؟




كلما خرج علينا إرهابي أو منحرف أو مخبول , سارعنا نقول " هذه ليست مصر ! هؤلاء ليسوا مصريين !" . كلما تناول أحدنا بالنقد إنتشار مظاهر العُري و الإنحدار الفني في الفضائيات , وجدنا الرد الجاهز يقف أمامنا زنهارًا :" مصر مش كدة !" . كل مرة تقبض السلطات على نصاب أكل أقوات الغلابة , أو جاسوس باع أمه مقابل حفنة دولارات نندفع صائحين :" هذا ليس مصريًا "
طيب يا سيدي . مصر "مش كدة " , مصر ليست الإرهابيين , و ليست الmodels العاريات , و ليست المحجبات حجابًا كُسكُسي على حُمُصي , لو سمحتم لي بالتعبير , الاتي يزوغن من الكليات و المدارس للتسكع مع بعض الأوغاد الرقعاء المنحلين . مصر ليست نواب القروض و لا المطرب الملزق المتهرب من التجنيد . مصر ليست " التوربيني " مغتصب الأطفال , و لا هي أيمن الظواهري الإرهابي الذي أساء بحماقته للإسلام , و لا مصر الأبناء الذين عقوا والديهم و ألقوا بهم في دور المسنين , مصر ليست شريف الفيلالي ولا إنشراح إبراهيم , و هي أيضًا ليست عبدالكريم الذي تطاول على الدين , و لا هي زكريا بطرس الذي يزرع أشواك الفتنة يوميًا بين عنصريّ الدولة . مصر ليست المدمنين ولا تجار المخدرات و لا تجار الهجرة غير الشرعية ولا هي المنادين بإدّعاء المولود لأمه و المطالبين بحقوق الشواذ و الممارسين التعذيب في الأقسام و موظفي "فوت علينا بكرة " و " أبجني تجدني " .
حسنًا , مصر ليست كل ما سبق , لكن المشكلة أننا لو فَرّغنا مصر من هؤلاء , سنجدها شبه خالية , لأننا إنتزعنا منها جزءً , هو في واقع الأمر منها . خرج منها , تربى فيها , ترعرع و ضرب بجذوره في تربتها . إن كون بعض الأفكار دخيلة علينا , و بعض الإنحراف مصدره غريب عنا , لا ينفي حقيقة أن معتنق الفكر و ممارس الإنحراف ,واحد مننا !
مصر "بؤجة " واحدة , لو سمحتم لي بالتعبير . من السذاجة أن نفترض أن مصر هي الشباب "زي الورد"الذين يسيرون في طوابير منظمة مرتدين الترينيج الأبيض و حاملين الأعلام الملونة و هم يلفون حول الملعب في إفتتاحات الدورات الرياضية ! ولا هي فقط أمين الشرطة الأمين الذي وجد حقيبة بها نصف مليون دولار في مترو الأنفاق فأعادها لصاحبها دون إنتظار مكافأة (ولا تسألوني ماذا يفعل رجل معه نصف مليون دولار في مترو الأنفاق !لله في خلقه شئون !) ولا مصر محصورة في الأمهات المثاليات الاتي لا نتذكر وجودهن إلا يوم21 مارس !
فلنواجه الحقيقة , هذا البلد الذي أنجب أحمد زويل و مجدي يعقوب , أنجب كذلك التوربيني و حناطة . إن الإحتماء بعبارات من نوعية " هؤلاء ليسوا نحن " هو تصرف أغبى من دفن الرأس في الرمال ! " هؤلاء ليسوا نحن" لكن الذين ربوهم "نحن "! المجتمع الذي تضافرت عوامل فيه لتشكل إنحرافهم هو "مجتمعنا نحن " . ليسوا كائنات فضائية هبطت من المريخ , ولا مخلوقات مستنسخة من خلايا مجهولة !
لماذا نرفض الإعتراف بحقيقة أن مجتمعنا به إنحرافات و آفات ؟ هل هو "عَجَبة " بين المجتمعات ؟ هل نحن مخلوقين من طينة غير طينة باقي البشر ؟ أليس في أجدادنا فرعون و هامان و أباجهل و أبالهب ؟ لسنا إذن جنسًا مختلفًا عن من كان في أجدادهم نيرون و النمروذ و هيرودوس , قاتل يحيى عليه السلام . كيف ندعي لأنفسنا الجدية في السعي لتنقية مجتمعنا من الإنحراف , و نحن نعتبر الإنحراف جسمًا غريبًا ؟ الإنحراف كالورم السرطاني , تُحدَثه عوامل قد تكون خارجية و قد تكون داخلية , بينما الجسم الغريب , ببساطة , جسم غريب , دخيل على الجسم الأساسي . و حتى الجسم الغريب , لا يلج الجسد إلا بمساعدة بعض خلاياه و أعضاءه طوعًا أو كرهًا !
الحقيقة هي أن كل منحرف أو فاسد أو خارج على الشرع أو القانون , هو واحد "منا " , أو على الأقل "كان منا " , حتى غيرته عوامل نشترك جميعًا في تحمل مسئوليتها . هكذا تكون النظرة الواقعية للفساد .
إن الإستمرار في إعتبار المنحرفين أو الفاسدين " آخرين " و أن المعتدلين الملتزمين "نحن " , هو نوع من النوم في العسل , و الرضا الزائف عن النفس , نهايته مأساة محققة , متمثلة في أن نكتشف يومًا أننا تحولنا إلى "آخرين " بينما أصبح المنحرفون "نحن " .
فلننظر للأمر بأسلوب "هذه هي الحقيقة القذرة الصادمة اللعينة .. خذها و تعامل معها !! " و لنعترف أن "مصر كدة !! أيوة مصر بقت كدة !! " هذه هي أول خطوة في طريق أن نصلح من شأنها حتى لا تستمر "كدة !"
-------------
وليد


Monday, December 3, 2007



أكمل لكم نبذاتي المتواضعة عن أهم أعمال الأديب و الصحفي اللبناني الرائع , الأستاذ أمين معلوف.
-4- حدائق النور :
" ماني ". أعرج لكنه ثابت الخُطَى , ضئيل لكنه عملاق الحضور .
تبدأ القصة في بابل عندما يلتقي الفتى النبيل "باتيغ" برجل غريب, مهيب , يتعمد إهانة الآلهة التي طالما قدسها شعبه , فيواجهه الفتى بإستنكاره و رفضه, و ينتهي الحديث بإيمانه بأفكار الرجل الغريب , فيرحل معه إلى بستانه المنعزل حيث يعيش أتباعه المؤمنون بدعوته . يهجر نبله و آله و زوجته التي تحمل في داخلها إبنه المُنتَظَر.
في هذا البستان يعيشون جميعًا التقشف, لا يخالطون الناس إلا نادرًا , يكفرون الفنانين , يهجرون النساء , بل و كل أنثى و إن كانت نباتًا , يرتدون البياض و يؤمنون أنهم مُلاك الحقيقة العظمى .
تلد زوجة "باتيغ " , فيخرج من عزلته و ينتزع , بمعاونة رفاقه , "ماني", إبنه منها , ليعيش بينهم.
يكبر الطفل , و هو لا يعلم أن رفيقه الأكبر سنًا "باتيغ" هو أباه , تربط الطفل صداقة بالمراهق "مالكوس " المتمرد على حياة التقشف و الكآبة , تتلاقى أفكارهما الرافضة هذا الإنعزال و ترى فيه بُعدًا عن القرب الحقيقي من الخالق. يفران من البستان و يرحلان في بحث عن الحقيقة المنشودة .
ما الذي أصاب "ماني " ؟ إنه ينظر في صفحة الماء فيرى "توأمه النوراني " ذلك الآخر الذي يفتح عيناه على الحقائق العظمى للكون , و يبدأ به رحلة في العقول و الأماكن .
الترحال أصبح مصير " ماني " و معه صديقه و رفيقه عمره " مالكوس" , بين بابل و الهند , بين الشعوب الراضية بالحال , و الكهنة المستميتون على مكاناتهم , و الأكاسرة الباحثون عن المجد , بين هتافات المؤمنين و مؤامرات القصور , تدور الرحلة .
أحداث هذه الرواية بالذات , أصعب من أن يحتويها تلخيص , لهذا أطلب العُذر على التقصير في سردها .
من أهم مقاطع الرواية هذا الحوار العبقري :
" - هناك طريق وعر يسلكه الذين يصبون إلى الكمال , و طريق ممهد للبشر كافة .
-و لكن إذا كان الطريقان يؤديان إلى الخلاص , فما هي الإمتيازات التي أحصل عليها بإختياري الطريق الأصعب ؟
-إذا لفظت كلمة (إمتيازات ) , فمعنى ذلك أنك إخترت سلفًا "
-5- الحروب الصليبية كما رآها العرب :
يمكنك أن تعتبر هذا العمل رواية , و يمكنك أن تعتبره دراسة تاريخية , فالنتيجة واحدة : خروجك بكَم مهول من المعلومات و التفاصيل المبهرة , و إتساع معرفتك بتلك الفترة شديدة التأثير في ما تلاها من أحداث على مر القرون .
الكاتب يسرد في أربعة عشر فصلا أحداث الحروب الصليبية بين العرب و الغزاة الأوروبيون . هو أمر قام به عشرات الكُتاب , إلا أن أمين معلوف تميز عنهم بأن مزج موهبته كمؤلف بدقته كباحث , و بدت مهارته الشديدة في "خطف القاريء " و نقله للقرون الوسطَى , في أوجها , و تألق أسلوبه الرائع في جعل القاريء يتفاعل مع الوقائع و الأشخاص حتى أنه لا يقطع قراءته لسبب عابر , إلا بصعوبة شديدة جدًا . فهو يجعلك تبكي مع نور الدين محمود , و هو راكع يدعو الله النصر قائلا :" اللهم انصر الإسلام و لا تنصر محمود . من الكلب محمود لينصره الله ؟" , و ترتاع مع أسامة بن منقذ إذ يعلم بما جرى من مذابح في مدن العرب , و هتك للأعراض بل و أكل للموتى . ثم ينتابك الحذر و الترقب و أنت ترى صلاح الدين يستعد لغمد سيفه في الجسد الفاطمي المحتضر , ليقيم محله دولة أيوبية تتصدى للعدو الأوروبي الغازي , و يجتاحك الحماس و أنت تهتف للظاهر بيبرس البندقداري و هو يعود منتصرًا من جولاته لتأديب و الإستئصال المحتل من بلاد الشرق .
و من أهم ما ميّز هذا العمل , حماس أمين معلوف في الدفاع عن الحضارة العربية , متناسقًا مع حياده اللازم كباحث , أو كمؤلف إرتدى ثوب المؤرخ الأمين . فسَرَد ما لأسلافنا و ما عليهم , دون أن يترك حماسته تفقده الصدق أو يدع حياده يطغى على روح الراوي العربي بداخله .
-6- بدايات :
أمين رشدي بطرس طنوس معلوف
إسم خماسي عادي . كم مرة يردد كل منا إسمه الخماسي , و كم مرة فكر في البحث عن ما وراء هذا الإسم .
هو فعلها ! و بإحتراف يستحق شديد الإعجاب .
فببراعته المعتادة , و دقته المعهودة , فتح أمين معلوف ملف أسرته و غاص فيه حتى أعمق نقاطه , زار العجائز الذين لمسوا الماضي و عاشوه , تنقل بين المدن و الأماكن , عاين الأوراق و المذكرات و الصور , حتى يجيب على السؤال الأبدي :" من أنا و من أين أتيت ؟"
يركز الكاتب في سرده على أهم شخصية , بحق , في الأحداث , و هي جده " بطرس طنوس معلوف " , ذلك المعلم المثقف الحساس , الغريب الأطوار و الأفكار , صاحب الخطط المتمردة و الآراء الصادمة .
ففي فترة ساخنة من التاريخ تدور الوقائع الأشد تأثيرًا في الشرق : الضربات الخارجية و الداخلية الموجعة لتركيا , الرجل المريض , نشاط الحركات الماسونية لتغيير شكل الشرق , حركات الهجرة النشطة من الشام إلى الأمريكاتين , إشتعال الحرب العالمية الأولى . أحداث كان يمكن أن تمر على أسرة " معلوف " كأية أحداث تمر على أية أسرة , لولا أن أبرز أعضاء تلك الأسرة هو شاب قلق الذهن محب للتمرد , هو " بطرس معلوف " .
أمين معلوف يقدم لنا في هذا العمل تحفة فنية هي مزيج من أدب السيرة الذتية و أدب رواية الأجيال و الأدب الوثائقي, خرجت منه في صورة رائعة , لا أجد وصفًا لها سوى أنها " عاصفة من الأحاسيس و الأحداث المثيرة الجذابة " , إستحقت بها الرواية مكانة عالية في كلا من قائمة أعمال المؤلف , و قائمة أعمال رواية الأجيال .
من أشد المقاطع جمالا في العمل هذا المقطع الذي يعبر عن دافع الكاتب للقيام بهذا العمل :
"إذا كان النسيان مصير كل شيء , لماذا نبني , و لماذا بنى أسلافنا؟ لماذا نكتب , و لماذا كتبوا هم ؟ أجل , في هذه الحالة فما جدوى غرس الأشجار, و لِم الإنجاب ؟ ما فائدة النضال من أجل قضية , و الحديث عن التقدم , و التطور , و البشرية , و المستقبل ؟ فالإفراط في التعلق باللحظة المعاشة قد يحاصرنا بمحيط من الموت . و على العكس , فإعادة إحياء الزمان الغابر يوسع آفاق الحياة ."
-7- سمرقند :
للشرق و ما فيه سحر أصاب الكثيرين . هكذا يمكننا تفسير حماس المواطن الأمريكي الفرنسي بنجامين لوساج , للبحث حول نسخة نادرة من "رباعيات عُمَر الخيّام " .
قبل أن يقص علينا الراوي أحداث مغامرته التي بدأت في نهايات القرن التاسع عشر , يكِر بنا عبر القرون للقرن الحادي عشر الميلادي , لنصاحب الشاعر و الفلكي و الطبيب الفارسي "عمر الخيام " رحلته في الشعر و العلم و السياسة . بين سمرقند و أصفهان و نيسابور , نجلس مع الخيام في حضرة الخان العظيم , و نتعرف معه على حسن الصبّاح مؤسس حركة "الحشاشين " , و نشاركه مناقشاته مه " نظام الملك " وزير ملك السلاجقة , و نحب معه " هاجر " الشاعرة التي أدمنت السياسة و السلطة و شئون القصور , ثم نفر معه من المتآمرين و الحشاشين , حتى نبكيه و هو يلفظ النفس الأخير بعد 84 عامًا حافلة .
بعد هذا ننتقل مع الراوي , بين لندن و فارس و باريس و أنابوليس و أسطنبول , نحاور معه جمال الدين الأفغاني و نرمق معه بتشكك ميرزا رضا , و نهرب معه من إتهام ظالم بالتآمر على حياة شاه فارس .
هذه ليست مجرد مغامرة مثيرة , بل هي , ككل أعمال أمين معلوف , رحلة بحث عن معنًا أو مبدأ أو فكرة , أو حقيقة مخفية , تستحق فعلا عناء السفر . و في هذه الرواية بالذات , نبحث مع الكاتب عن معنى من المعاني النبيلة , معنى أن يكون الإنسان " صاحب فكر " في عالم يعاني فيه " أصحاب الأفكار " .
من أجمل ما قيل في هذه الرائعة , قول عمر الخيام في الحَسَن بن الصبّاح :" أنا متعبد للحياة و هو عابد للموت . أنا أهتف :" إن كنت لا تعرف الحب فما يجديك شروق الشمس و غروبها؟" و حسن يطالب الناس بتجاهل الحب و الموسيقى و الشعر و الخمر و الشمس . إنه يحتقر أجمل ما في "الخليقة" و يجرؤ على التلفظ بإسم "الخالق". "
--------
هذه نبذات متواضعة عن أهم أعمال المبدع أمين معلوف , عن عالمه و أفكاره و سحره البارع .
عن رجل , يعيش حياته يُلقِي أحجار الأسئلة في بِركة الأفكار , و يغوص في دوامات الناتجة عن إرتطام الحجر بسطح الماء .
تحياتي
وليد

Wednesday, October 10, 2007

أمـــيـــن مـــعـــلـــوف _ الباحث عن شيء ما


إن أعظم المبدعين هم أولئك الذين حين نقرأ لهم نجد أنفسنا قد سُرِقنا من محيطنا و إنغمسنا حتى النخاع في سطور و أحداث المقروء , حتى أن العودة لفترة , طويلة أو قصيرة , للمحيط الواقعي , يتطلب جهدًا ليس بالقليل , يصحبه بعض الإحساس بإنعدام الوزن , كذلك الذي يصاب به من بقى كثيرًا في عربة أو قطار مغلق , ثم خرج فجأة ليواجه المؤثرات الخارجية مرئية و مسموعة .
و الأستاذ أمين معلوف من أبرع الكُتاب في فن إصابة القاريء بهذا الشعور , فهو يخطفك من حيث أنت , فيتجاوز تفاعلك مع العمل مرحلة " القراءة " لمرحلة " التعايش " , فتشعر بالأحداث بدلا من أن تقرأها .

فلننظر أولا في بطاقة تعريف الأستاذ أمين معلوف :

أمين رشدي معلوف , كاتب و صحفي لبناني من مواليد بيروت في يوم 25 من فبراير عام 1949م.
درس العلوم الإجتماعية و الإقتصاد , و أكمل دراسته في جامعة القديس يوسف . عمل بعد تخرجه في الملحق الإقتصادي لجريدة النهار البيروتية . سنة 1976م إنتقل إلى فرنسا حيث عمل في مجلة " إيكونوميا " الإقتصادية , ثم تولى رئاسة تحرير مجلة " أفريقيا الشابة " Jeune Afrique" بالإضافة لإستمراره في العمل لمجلة النهار البيروتية , و كذلك النهار العربي و الدولي .
أولى رواياته هي " الحروب الصليبية كما يراها العرب " سنة 1983م , ثم توالت أعماله و إبداعاته ( و التي كتبها بالفرنسية ) مثل " ليون الأفريقي" , " سمرقند " , " القرن الأول بعد بياتريس " , " صخرة طانيوس " , " رحلة بالداسار " , " موانيء المشرق" , " بدايات " و غيرها .
أمين معلوف يقول مجيبًا على التساؤل حول مسألة كتابته باللغة الفرنسية :" أعترف بأنه أصبحت لديّ علاقة حميمة بالفرنسية. فخلال ثلاثين سنة في باريس وعلى رغم أنّ لدي الكثير من الأصدقاء اللبنانيين والعرب، إن اللغة التي استخدمها أكثر هي الفرنسية، خصوصاً في الحياة العامة. صارت الفرنسية هي اللغة التي أستطيع أن أعبّر عن أفكاري بها في شكل أسهل وتلقائي. ولكن عندما أقيم فترة في بلد عربيّ ولا سيما لبنان، لأنني في المغرب مثلاً أشعر بأنني ملزم باستخدام الفرنسية، عندما أقيم في لبنان، ترجع التعابير العربية اليّ تلقائياً. لكنني أعبّر بالفرنسية أفضل. فالكلمات التي يستخدمها المرء باستمرار في لغة معينة تأتيه بسرعة أكثر مما في لغة لا يستعملها كثيراً، وان كان يلمّ بها جيداً. اللغة التي يستخدمها الانسان يومياً تمدّه سريعاً وتلقائياً بالمفردات. صارت لدي علاقة حميمة جداً باللغة الفرنسية."
أعمال أمين معلوف تُرجِمَت لعدة لغات , منها العربية بالطبع , و قد نال جوائز عديدة مثل "جائزة الصداقة الفرنسية العربية _1986" , و "جائزة الجونكور " و هي أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية , عن روايته " صخرة طانيوس " عام 1993م. و الرئيس الفرنسي السابق " جاك شيراك " كان معتادًا الإستشهاد بعبارات من كتابات أمين معلوف .
أكثر الأفكار سيطرة على أدب أمين معلوف هي أفكار " السفر " و " البحث عن حقيقة ما " نلاحظ هذا بشدة في أعمال مثل " رحلة بالداسار " , " صخرة طانيوس " , " ليون الأفريقي " و " القرن الأول بعد بياتريس" , حيث دائمًا على البطل الرحيل و التنقل , إما هاربًا من حقيقة , أو ساعيًا إلى أخرى . و تبرز براعة الكاتب في أنك حين تقرأ عملا له , لا تشعر بأدنى تشابه أو تكرار بينه و بين أعماله الأخرى .
هذه نبذة عن أهم أعماله :-

-1- رحلة بالداسار :

في عام 1665م , بالداسار أمبرياتشي , شاب يتاجر بالتحف و الطرائف النادرة الأصلية , يعيش في مدينة جبيل اللبنانية حيث إستقر جد أكبر له أيام الحملات الصليبية , أما الآن فهم رعايا الإمبراطورية العثمانية .
تزداد الشائعات ضراوة عن الخطر القادم , العام 1666م , عام الوحش كما يسمونه , الذي يتوقع الكثيرون أنه عام يوم الدينونية و نهاية الخلائق .
ثمة شائعة أخري لا تقل أهمية و خطورة , عن ذلك الكتاب الذي وضعه أبو ماهر المازندراني , كتاب " الإسم المئة " الذي يتضمن إسم الله الأعظم , الإسم المئة , الإسم الذي من شأن إستخدامه رد خطر يوم الدينونة حتى تتراص الأرقام الثلاث 666 متجاورة بعد ألف عام .
بالداسار لا يؤمن بهذه الأمور , بل لا يؤمن بمعظم ما يؤمن به المؤمنون , فهو يشك في كل شيء, حتى ليتهمه الكثيرون بالكفر و البعد عن الإيمان الحق . كل ما يهمه هو تجارته و الحفاظ على إسم عائلته العريقة ذات الأصل الإيطالي الجنوي .
و بمصادفة لا تُصَدَق , يجد بالداسار نفسه في مواجهة شيء مما لا يؤمن به : كتاب الإسم المئة . إذ يعطيه إياه رجل عجوز قليل الشأن , ردًا لجميل لبالداسار عليه .
و بمصادفة لا تقل غرابة , يضيع منه الكتاب إذ يأخذه فارس نبيل من البلاط الفرنسي .
و لأن ثوابت بالداسار تزعزعت بتلك المفاجئات , يسهل على إبن أخته إقناعه بالسفر وراء الفارس لإستعادة الكتاب , الذي بدأ رفض بالداسار لأسطورته و الأساطير المرتبطة به , يتزلزل . و هنا تبدأ الرحلة , من بلاد الشام لبلاد الأناضول لبلاد أوروبا , حيث يلتقي الرجل من الأحداث و المفارقات و الأشخاص ما يهز عقله و يحرك الماء الراكد فيه , و يجعله يعيد النظر في معتقداته .
يقول بالداسار معلقًا على هذا في الرواية :
" رأيتُ الخوف , الخوف الفظيع , ينبع و يتعاظم و يستشري , رأيته يتغلغل في العقول , حتى عقول أفراد أسرتي , حتى في عقلي , رأيته يطيح بالمنطق , يسحقه , يهينه ثم يلتهمه "
من أشد المقَاطع قوة في الرواية ما جاء قرب نهايتها من تغير في فكرة بالداسار نحو الخالق عز و جل إذ يقول لنفسه :"أنَى لي , أنا بالداسار الآثم البائس , أن أكون أكثر لطفًا من الله ؟ و أنَى لقلب التاجر أن يكون أكثر كرمًا منقلبه عز وجل , و أكثر رحمة ؟ لدى مراجعة ما كتبت , تحت إندفاع ريشتي , لا يسعني إلا الشعور بالهلع . و لكن هلعي ليس مبررًا , فالرب الذي يستحق أن أجثو عند قدميه , لا يتمل خسةً أو نزقًا . إنه يسمو على كل هذه الأمور , و هو أكبر منها , فالله أكبر , الله أكبر , كما يردد المسلمون . "

-2- القرن الأول بعد بياتريس :
هوبير , عالم الحشرات الفرنسي , يكتشف بمساعدة حبيبته الصحفية كلارنس , مؤامرة دولية , تشترك فيها حكومات بأكملها , للعبث بنسبة الذكور للإناث من المواليد , لشعوب و بلدان أخرى . مؤامرة ليست حديثة التخطيط و التنفيذ , يصعب الإمساك بمدبريها , بل يصعب أصلا إثبات أن لها وجود !
في هذا الوقت تولد لهما بياتريس , التي يؤرخ بها هوبير أحداث روايته , و يسعى لكشف الحقيقة هو و نصفه الآخر كلارنس , من أجل إنقاذ مستقبل بياتريسهما , و بياتريس كل إنسان على سطح الأرض .
أكثر العبارات قوة و تلخيصًا لمضمون العمل هي عبارة قالها بطل الرواية :" بالرغم من مشيبي و زعمي التمتع بالعلم و الحكمة , أعترف بأني لا أدري أين توجد الحدود الفاصلة التي لا يجب تجاوزها . ربما في مجال الذرة و كذلك فيما يتعلق ببعض التعديلات التي يمكن إجرائها على دماغنا أو جيناتنا . أما ما يستحيل إكتشافه , إذا جاز لي القول , بصورة أكثر يقينًا , فهي تلك اللحظات التي تجازف فيها البشرية مجازفات قاتلة مع ذاتها و نزاهتها و هويتها و بقائها . إنها اللحظات التي يضع أكثر العلوم سموًا نفسه في خدمة أحقر الغايات ."

-3- موانيء المشرق : ( في طبعات أخرى " سلالم المشرق " )

قصة رجل من أسرة حكمت المشرق يومًا , جده الأكبر هو السلطان العثماني قبل الأخير , الذي إنتحر حسرة على ملكه الضائع , و فقدت إبنته الوحيدة عقلها حسرة على أباها .
يرق قلب طبيب عجوز للفتاة الجميلة الرقيقة المسكينة , فيتفرغ لعلاجها , و رغم عدم جدوى العلاج , يتزوجها , بعد أن تحول إشفاقه عليها لحب كبير . و ينجبان إبنًا وحيدًا .
يموت الأب تاركًا إبنه في السادسة عشر , يرعى أمه بحنان , لكنه مصاب بداء التمرد على كل شيء و أي شيء , و تربطه صداقة بمعلمه الأرمني , الذي يكبره بسبعة أعوام .
و مع إشتعال نيران الإضطرابات في تركيا , و سقوط الخلافة العثمانية , يهرب الصديقان و كل منهما يحمل معه أسرته , يذهبون جميعًا إلى جبل لبنان , حيث يتزوج سليل الأرستقراطية التركية أبنة صديقه الأرمني , التس تنجب له ثلاثة أبناء بالترتيب :عصيان , و هو بطل الرواية , إيفيت , الإبنة الوسطى , ثم سالم , الذي تموت الأم و هي تنجبه , و تكون هذه بداية خلل في عقله و أخلاقه .
تمر السنوات بالثلاثة , سالم كما هو في شراهته و إنطواءه و شعوره المرضي أنه مرفوض مضطهد , إيفيت التي تتزوج من مصري محترم , و بطلنا عصيان الذي يسافر إلى فرنسا لتلقي العلم في وقت كانت فيه نذر الحرب العالمية الثانية تلوح .
يسافر الفتى لدراسة الطب , و سرعان ما تهب الحرب من رقادها و تجتاح ألمانيا فرنسا , و بمفارقة غريبة يجد عصيان نفسه منضمًا للمقاومة الفرنسية , عن إقتناع .
أيام تمر بأخطارها و نجاحاته , يتعرف خلالها عصيان على كلارا , حبيبته الفرنسية اليهودية , تمر سنوات المقاومة , ثم تنتهي الحرب , و يعود الفتى للبنان فيجدهم يستقبلونه إستقبال الأبطال بعد أن بلغتهم أنباء عمله الفعال مع المقاومة ضد النازي , في وقت كان فيه لبنان يميل ليعانق الثقافة الفرانكوفونية .
لكن الحياة تحمل في رحمها مواليد السعادة و الشقاء , تلد السعادة متمثلة في قدوم حبيبته كلارا إلى لبنان و زواجه منها و ذهابهما للحياة في حيفا بفلسطين , ثم تعقب بالشقاء إذ تندلع حرب فلسطين , و لنا تخيل ما يمثله هذا من تعقيد بالنسبة لزوجين ينتمي كل منها لطرف من المتحاربين و يعيشان على أرض تلتهب بنار الحرب .

و يضطر الزوجان للإفتراق مؤقتًا , ثم يموت والد عصيان , و يصاب هذا الأخير بصدمة نفسية و عقلية مؤقتة , يستغلها أخاه الدنيء فيزج به في مصحة عقلية ليستولي على نصيبه من الميراث , و يستسلم عصيان لقدره , و لكن .. يعلم أن زوجته أنجبت إبنة ..
و هنا يبدأ عصيان في الخروج من ما كان فيه ..و تتتابع الأحداث المثيرة المليئة بالمفاجئات , في محاولة عصيان الخروج من سجنه و إستعادة نفسه و حياته .

المقطع الذي جذبني بشدة في هذه الرواية هو عندما كان عصيان يحكي قصته للراوي :
" و سألني : " بماذا تريد أن نستهل الحديث ؟ "
- " الأفضل أن نبدأ من البداية , من ولادتك ."
تمشى دقيقتين كاملتين بصمت ثم أجاب بسؤال :" أواثق أنت أن حياة الإنسان تبدأ يوم ولادته ؟ " "

هو مقطع بسيط لكنه عميق جدًا .
و للحديث بقية عن أعمال و أفكار و عالم المبدع أمين معلوف

تحياتي
وليد



رفيق سلاح ___ قصة


رفـيـق سـلاح



( I )


عندما تضع كفها الدافيء أبدًا فوق ظهر يدي , تضغط ذلك الزر الخفي بداخلي لإيقاف الزمن و إخفاء المكان , حتى لا أشعر إلا بأقل القليل مما يحيط بي . بقايا حموضة عصير البرتقال في فمي , دفء شمس أغسطس يحيط ظهري بينما ظل الشمسية الملونة يبرد صدري فتمتزج الحرارة و البرودة في تصالح مريح بينهما . رائحة عطر , لا أعرف إن كان لها أم لغيرها لكن المهم أنه هنا . و الأهم , كفها , ذلك الدفء الذي يمر عبر ظهر يدي , يسير مع كرات دمي حتى يبلغ القلب فيحيطه و يهديء من روعه , يبطيء نبضاته حتى تصبح متماشية مع ريتم تَرَدُد كلمة :" أحبك .. أحبك ."

لم أكن من محبي المقاهي , لا في وطني و لا هنا في باريس حيث أعيش حاليًا . ماذا إذن جعلني أدمن الجلوس في " كافيه جورج سانك " إلا الحب ؟ فقط هو يجعلك ترتاد أماكن لم تكن تحبها . تذهب إليها أولا لمقابلة من تحب , ثم تحبها لذاتها , تجد قدماك تقودانك إليها تلقائيًا إن كنت من هواة التسكع مثلي .


تصغرني بسنوات ليست بالقليلة , لا يهم .هي خفيفة نشيطة متحركة و أنا هاديء رصين نوعًا .. لا يهم ... طالما توجد تلك النبضة المشتركة عندما تمسك يدي .

تضغط كفي بخفة , أعرف معنى هذا و أعرف أنها ستميل قليلا للأمام و هي تبتسم قائلة ..


" ماذا بك ؟ "

ماذا بك .. بين الباء و الكاف سعة لكل هم و سعادة و حزن و فرح , أحلام سعيدة , كوابيس ...ألخ .. بينهما مساحة تكفي قصة حياة .


كقصتي ...


( II )




لا يهم أين , و لا متى حدث ما حدث , لا تهم لماذا , فالمحصلة واحدة .

أكثر من خمسة عشر عامًا مرت على ما جرى لي .

كنت شابًا في العشرينات آنذاك , و كانت الحرب الأهلية تمزق وطني . عاد بنو بلدي آلاف السنين للوراء , عادوا أولئك الهمج البدائيين المتصارعين على لحم حيوان , حفنة ثمار أو جسد إمرأة . عادوا لكنهم عادوا بمسميات و آلات مختلفة . الكاتيوشا و الكلايشنكوف حلت محل الهراوات و الرماح . إستبدلوا جلود الحيوانات بالثياب المموهة , و حل زعماء الفرق و الشيع و الكتائب محل الأصنام و الطواطم و الأوثان .


القتل للقتل , لا تحدثني من فضلك عن حقوق كل فصيل و مبادئه المعارضة للآخر . لو كنا مهاجرين , لو كنا أبناء رُحَل متنقلين لكان من الممكن أن أتفهم الأمر , لكننا لنا جذور تضرب في عمق تاريخ هذه الأرض , فماذا إختلف ؟ يمكنني أن أتفهم موقف من يقاتل طلبًا لحق فئته , الجائرة عليه فئة أخرى , لكن ماذا عن من يقاتل الفئة الأخرى , فقط , لمجرد أنها أخرى . يريد أن تخلو الأرض لفصيله , بأي حق ؟ أقصى درجات الوقاحة أن يكون مطلبك من الآخر أن يموت لتعيش أنت .


قلة وقفت على الحياد , و أنا منهم . كنت مسالمًا محايدًا آمنًا أعيش خارج دائرة الصراع . كنت إبنًا لأم حنون , زوجًا لفتاة طيبة , أبًا لطفلة جميلة . يومي روتيني عادي , من البيت للعمل , و بالعكس ..

إشتباكات , ثم هدنة , فإشتباكات , و هدنة , فمفاوضات , ثم إتفاق , فخروقات , ثم هدنة . فتوقيعات , و تصفيقات و أغانٍ وطنية , ثم خرق جديد , و مفاوضات جديدة , ثم أخيرًا إتفاق نهائي .

لم يكن يهمني كل هذا .. لم أكن حتى أتابع . كل ما أريد هو أهلي و بيتي و قوت يومي .

كنت أسير بجوار الحائط كما يقولون في الأمثال , و فجأة .. هدموا الحائط !


( III )

" ماذا بك ؟" قالت مجددًا بقلق

إنتزعتُ ضحكة و قلت :" شقيقك تأخر " ابتسمت " هذا ما أذهب تركيزك عني ؟"

شكرت في سري مجموعة الأطفال اللاهية قربنا بصخب إذ جذبت إنتباهها عن ملاحظة إرتباك ملامحي . نعم يا عزيزتي , هذا ما أذهب تركيزي عنكِ . أتدرين لماذا ؟


( IV )


- " الحمد لله , إصاباتك غير خطرة , جسدك قوي و ستتعافى سريعًا ."

-" ما الذي جرى ؟ أين أمي ؟ "

- " سنضعك تحت الملاحظة لمدة 24 ساعة ثم يمكنك العودة لمنزلك ."

- " لا أفهم شيئًا .. ماذا حدث ؟ إبنتي هل هي بخير ؟ "

- " كان من المفترض أن نبقيك تحت الملاحظة لوقت أطول , لكن .. أنت تفهم .. ظروف الحرب و الأولوية للحالات الخطرة ."

- "زوجتي كانت معي .. أين ذهبَت ؟ "

-" أحد رجال الأمن يرغب في أخذ أقوالك .. أعتقد أن حالتك تسمح بهذا ."

-"........................."

-" سيدي , لا نريد أن نثقل عليك خاصة مع الظرف الصعب الذي تمر به , تقبل تعازينا ."

-" ؟!؟!؟!؟!؟!؟! "

- " فقط نرغب في تعاونك معنا لمعرفة المسئول عن هذا العمل الإجرامي البشع ... قل لنا من فضلك , متى تحديدًا وقع ذلك الإنفجار ؟"


( V )

- " معذرة , حاولت أن لا أتأخر لكن .."

- " لا بأس , إجلس " قالتها و هي تضع قبلة على وجنته اليمنى

- "هذا (عصام ), من حدثتك عنه من قبل .. (عصام ).. هذا ( فادي ) أخي ."

جلس بهدوء و إبتسامة ودود , تصفحت وجهه , رجل في مثل عمري , أكبر أو أصغر بأعوام قليلة . ملامحه عادية , على شيء من الوسامة . بحثت عن نظرات قاسية و قسمات صارمة تخيلتها له قبل لقاءه , فلم أجد . ملامحه و نظراته تحمل ذات الهدوء و الود الذان تحملهما ملامح شقيقته .

- "( ريما ) قالت لي أنك رفيق سلاح قديم في المقاومة ... في أي فرقة كنت ؟"

إرتج عليّ , لم أعرف ماذا أقول سوى :" الحقيقة .. لم يكن دوري كبيرًا في المقاومة , مجرد مساعدات لأشخاص لم أهتم بمعرفة هويتهم , فقط كان يكفيني أنهم مقاومون , ثم إضطررتني الظروف للسفر قبل التحرير . "

ربت كتفي قائلا :" أنت بطل على أية حال , مجرد تعريض نفسك للخطر لخدمة وطنك أمر يستحق التقدير ... آه ! كانت أيام صعبة , الحرب الأهلية طحنتنا , ثم الإجتياح الذي كان ضربة إفاقة لنا من سفه الإقتتال الداخلي , ثم التحرير , عسى الله أن يكمله على خير . "

تدخلت ( ريما ) :" آمين ... ( فادي ) ألا تقص على ( عصام ) بعض بطولاتك ؟"

ضحك شقيقها بحرج مجيبًا :" لا تبالغي ! كانت مجرد معارك بسيطة ."

" و لكني حقًا أرغب في سماع قصص ... بطولاتك ." قلتها بإندفاع شابته حدة مفاجئة , لاحظت الدهشة في أعينهما فإفتعلت ضحكة , مُقنِعة , و أكملت بإبتسامة :" ألا تريدني أن أفخر بشقيق خطيبتي , بإعتبار ما سيكون ؟ هيا قص عليّ بعض بطولاتك ."



( VI )

" تفجيرات عشوائية في عدة مناطق سكنية , عمل حقير لا يرتكبه إلا شيطان قذر ! إتفاق المصالحة فشل و لله الأمر من قبل و من بعد !"

قالها ( أبو كريم ) , جاري الذي إنتقلت للسكن معه .

" لا تقلق يا (عصام ) , بيتي هو بيتك حتى تجد مسكنًا بدلا من الذي دُمِر , لن ينقصك شيء , و عملك لديك منه إجازة مرضية لمدة شهر . فقط أريدك أن تهتم بنفسك , لا تقتل نفسك بالحزن يا رجل ! و كلما تذكرتهم صلِ لأجلهم و أطلب الرحمة لهم و الصبر لك . "

تمتمتُ بكلمات متآكلة فمال نحوي قائلا :" ماذا تقول ؟ "

- " أ... هل .. هل عرفت الشرطة من الذي .." قاطعني :" فعلها ؟ لديهم مشتبه به لكنهم لا يستطيعون توقيفه , ليست لديهم أدلة كافية ثمة شائعات تقول أنه من قادة شبيبة إحدى الحركات المسلحة . إسمه الحركي ( أبو سعادة ) و إسمه الحقيقي (فادي الشعك)



( VII )


" ما تخطيطكم لما بعد الزواج إن شاء الله ؟ "

إتسعت عينا ( ريما ) لسؤال شقيقها الذي يعتبر موافقة ضمنية على إرتباطنا , قَفَزَت تغرقه بالقبلات و هو يضحك بشدة , برغمي شعرت بدمعة تتسلل من طرف عيني .

- " ( ريما) شقيقتي الوحيدة , هي كل من بقي لي من عائلتي , و لا أستطيع أن أرد لها طلبًا فيه سعادتها . ربما في البداية شعرت ببعض القلق من فارق السن , أعذرني , أنت في الأربعين و فارق خمسة عشر عامًا ليس بقليل . لكني إرتحت لك و أشعر حقًا أن سعادتها ستكون معك إن شاء الله . "

- " لا أعرف ماذا أقول " تمتمتُ

ربت كتفي قائلا :" لا تقل شيئًا , أعرف أنك إنسان طيب , و ( ريما ) قالت لي أنك , أعانك الله , فقدت أسرتك في حادث سير بشع , و مررت بفترة صعبة , رغم هذا خدمت وطنك , حتى و لو كنت تعتبر دورك بسيطًا . ثم ما رأيت الآن من ما يبدو عليك من طيبة و إحترام و ثقافة و رغبة في الحياة رغم كل آلامك السابقة . كل هذا يجعلني أتعاطف معك و أرغب أن تكون فردًا في أسرتنا الصغيرة ."

رشف من قهوته ثم أكمل :" لكني أرغب في معرفة خططكما لما بعد الزواج , لأطمئن أكثر ."
نظرت لها فإبتسمَت مشجعة فقلت :" خططنا عادية , هي ترغب في إكمال الدكتوراة في السوربون , و أنا في عملي في السياحة , لا جديد ."


- " أعني بالنسبة للإقامة . ألم تفكرا في الإقامة في مكان آخر غير باريس أو حتى فرنسا كلها ؟ "

تبادلت مع ( ريما ) نظرة دهشة , لاحظها فقال و قد حملت نبرته حزمًا واضحًا :" هذا شرطي للموافقة على الزواج .. و لي أسبابي , التي من حقكما معرفتها , و أنا واثق أنها ستقنعكما ."



( VIII )


- " سافر ؟"

- " نعم ... الوغد ! "

- " إلى أين ؟"

- " الله وحده يعلم ... هرب .. فر ... إختفى .. كأنما هو هواء . لا يعلم أحد كيف سافر رغم حصار الحدود لكنه فعلها "

أغمضت عيناي بقوة فوضع ( أبو كريم ) كفه على كتفي قائلا برفق :" و حتى لو كان قد بقي في البلاد .. ماذا كنت ستفعل ؟ الحرب الأهلية إنقضت و الكل الآن مشغول بتحرير العاصمة من المحتلين , توجد قضية أهم ! "

هببت صائحًا :" توجد قضية أهم .. فلتذهب قضايانا التافهة إذن إلى الجحيم .. فليذهب دم أمي و إبنتي و زوجتي إلى حيث ألقت !! "

صاح بي :" لم أقل هذا ! قلت أن العالم كله مشغول بما هو أكبر ! و أنت تريد ترك كل هذا و البحث عن رجل من مئات الرجال الذين قتلوا و سفكوا و دمروا ! أنت أخيرًا كنت قد وجدت لك حياة و خرجت من إنطوائك , فهل كنت تنوي تدميرها ثانية بيدك هذه المرة ؟ لو كنت قد قتلته من قبل كان العالم سيقول أنك بطلا , أما الآن فقتله يجعلك خائنًا ! بغض النظر عن حقيقته و حقيقتك ! هكذا يفكر العالم !"


-" تباً للعالم "

- " تبًا له ألف مرة و لكن لا تدمر نفسك ! " خفض صوته و قال برفق أبوي :" يكفي ما أصابك , و لتدعو الله أن تمر تلك الأيام على خير لتعود الحياة لطبيعتها , و تعود أنت لحياتك , أنت ما زلت شابًا يا بني ."

ساد صمت إلا من تردد أنفاسنا ...ثم

" ( أبو كريم ) "

نظر لي متسائلا

-" منذ فترة أتسائل كيف تبلغك تلك الأخبار ؟ عن الشك في ( فادي الشعك ) , سفره , إلخ .. كيف تعلم كل هذا ؟"

جلس صامتًا و تشاغل بإشعال سيجارته

- " ( أبو كريم ) .. هل لك علاقة بالمقاومة أو أية فرق مسلحة ؟"



( IX )

" لهذا يجب أن ترحلا عن فرنسا ."

ترقرقت دموع (ريما ) في عيونها المذهولة فمال نحوها برفق و قبل وجنتها ثم قال:" الحرب إنتهت منذ سنوات , لكن بقايا ضغائن قديمة بدأت تطفو على السطح. العدو يريد أن يداري هزائمه في جبهاته الأخرى بإحداث ضجة من خلال قتل أو إختطاف من شاركوا في مقاومته بعد الإجتياح . و كما تعلمين أنا كنت من قادة شباب المقاومين . الأمر ليس مؤكدًا لكنه يستحق التصرف , و مجرد خروجي اليوم لمكان عام يشكل مخاطرة حمقاء لكني لم أستطع كسر قلبك . "

منعت نفسي بصعوبة من صفعه لقاء كذبته الوقحة .. لمحت رجفة في وجنته اليمني , نمت عن شعوره بالخجل من كذبه على من تعتبره بطلها الأول .


صاحت ( ريما ) :" بعد كل هذه السنوات ؟" إحمر وجهها بملاحظتها أعين المتسائلين عن صياحها , على الموائد المجاورة

أجاب شقيقها :" أنا أيضًا حسبت الأمر إنتهى ... لكني كنت مخطئًا .. و كنت أنوي إبلاغك لولا بادرتِ بإخباري بتقدم (عصام ) لكِ " ثم حول وجهه إلي قائلا :" (عصام) , ثقتي بحسن حكم شقيقتي على الناس , و ثقتي بأنك تحمل أخلاق بطل , جعلاني أثق بك و أأتمنك على سري , ستتزوجان في أقرب وقت , ثم ترحلا ! إذهبا إلى أمريكا , البرازيل . لنا هناك جالية كبيرة , عودا حتى إلى الوطن , و لكن رجاء , إرحلا عن بلد أنا فيه , لا أريد أن يصيبكما مكروه . و أي بلد تذهبان إليه , ستجدان فيه من يعرفني و يسره مساعدتكما , سأرتب كل شيء لكما بإذن الله ."

- " و أنت ؟" قالت حبيبتي من بين دموعها فأمسك كفها بحنان و قال :" أنا أجيد تدبر شئوني , لا تقلقي , سأختفي قليلا ثم ستجداني معكما , سأعود بإسم و ربما شكل جديد لكنني سأبقى . لا تقلقي ." مد كفه يمسح دموعها و هو يتمتم " لا تقلقي "


( X )


طرقتُ الباب بإيقاع متفق عليه مسبقًا . فتحه شاب في مثل عمري

ثلاثة رجال عليهم الوقار , أشار أكبرهم لي أن أجلس و قال :" تفضل يا ( عصام ) "

تشاغل في تصفح ملف , لمحت عليه إسمي , بينما قال رجل آخر :" بدون مقدمات يا (عصام ) , عملك معنا لم يعد آمنًا , لا عليك و لا علينا .

صعقتني العبارة , قبل أن أسأل بادرني الأول و هو يغلق الملف :" أنت شاب وطني , متحمس , شجاع . مساعداتك لنا تقول هذا .. حماسك لتقديم العون للمقاومة يثبته . لكن .. ثمة مقاييس إضافية نحكم بها على الرجال . "

إعتدل في كرسيه و أكمل :" عندما أوصانا (أبو كريم) بقبولك بيننا , لم نتردد لثقتنا به أولا , و لإطمئناننا لما جمعناه عنك من معلومات ثانيًا . لكن ثمة مشكلة , المقاوم يحركه إحساسه الوطني ."

إندفعت أقول :" و أنا كذلك ."

أشار لي أن أصبر و أكمل :" المقاوم يحركه إحساسه الوطني , فقط ! لا أنكر أن وطنيتك بادية في إخلاصك و إتقانك أداء ما يُطلَب منك لكن .. ثمة محركات أخرى لك , لا نستطيع معها إبقائك معنا ." صمت قليلا ثم قال :" الرغبة في الإنتقام , و رغبة أخرى في الإنتحار ... ( عصام ) , المقاوم عندما يخرج لعمله فهو يبحث عن النصر , أنت تبحث عن الموت ! إنتحاريتك المبالغ فيها , إندفاعك نحو الخطر بلا روية , يقولان هذا . بالإضافة لما مررت به من قبل , أعني فقدانك أسرتك , عفوًا لقسوة كلامي , كل هذا يجعلنا نتخذ قرارنا بإنهاء خدمتك , مشكورًا , في المقاومة ."


هببت من مقعدي مصدومًا فأسرع يقول :" و الله لا ننتقص من وطنيتك أو شجاعتك , لكن لكل مهمة رجال , و لكل رجال مهام , و أنت مهامك أديتها كاملة , فإترك فرصة لغيرك ."

أكمل الرجل الآخر :" القرار لا يتوقف عند تركك المقاومة يا (عصام) , بل نرى تركك البلاد كلها , بقاءك هنا لا هو آمن لك و لا لنا .."

تمتمت كالمخدر :" إلى أين ؟"

أجاب :" باريس , لنا جالية كبيرة هناك , و هناك رجال وطنيون يسعدهم الوقوف بجوار من خدموا البلاد مثلك . ستجد كل شيئًا معدًا , عملا , مسكنًا , و لو إحتجت أي شيء ستجدهم في خدمتك . " ناولني مظروفًا كبيرًا " ستجد هنا الأوراق اللازمة , و بعض المال , سيقوم بعض الزملاء بتهريبك من البلاد بدولة مجاورة و منها إلى فرنسا , ستحصل عند وصولك إلى باريس على مبلغ محترم يكفي لتبدأ حياتك .. إعمل يا (عصام) , تزوج و كون أسرة ... فقط إنزع من رأسك فكرتي الإنتقام و الإنتحار . في الأولى دمارك , و في الثانية كفرك . وفقك الله يا بني ."




( XI )




كيف تسير الأيام ؟ ما الذي جرى ؟

كلما تعجبنا من تدبير القدر , أرانا أعجب و أغرب

القدر هو القدر , لا عجب فيه

بل هو قصورنا عن فهمه ما يثير العجب , فمهما فعلنا , يبقى القدر أعظم المؤلفين لأحداث الأيام .


سافرت إلى باريس , وجدت كل شيئًا مرتبًا لإقامتي كما قيل لي . صادقًا حاولت أن أعيش و أن أعيد تشكيل حياتي , لم يكن دافعي الرغبة في الحياة , بل اليأس من تحقيق الإنتقام , و يا لها من سخرية : يأسي من غاية أعيش لها , يصنع حياتي بنجاح!


عملي في السياحة أتاح لي رؤية العالم , رغم ما رأيت و شهدت من غرائب , بقي شغفي بمراقبة الوجوه , بالذات العاملين بالإستقبال في الفنادق و المطارات . كيف يبدو هؤلاء حين ينزعون الملامح المبتسمة الصافية ؟ هل بينهم مريض ؟ بائس ؟ فاشل في زواجه ؟ هل بينهم من بضربة واحدة فقط أسرته , مثلي ؟

أتاح لي عملي الإقامة لأسابيع , بل و أحيانًا نادرة لشهور , في مختلف العواصم , إندمجت في عملي محاولا نسيان الماضي .

ثم رأيتها .. و أحببتها ..

نعم هكذا ... ما بين الكلمتين لا يهم لأبحث فيه ... كنت كضائع في صحراء قاسية الشمس فوجد ماءً و ظلا , لن يسأل كيف و لماذا . سيرتوي و يستظل , ثم بعد ذلك ربما يتسائل .


لا تهم التفاصيل , تكفي تفاصيل قليلة : فتاة جميلة- جذابة- تدرس في السوربون و تعمل كمرشدة سياحية على سبيل زيادة الدخل- ننتمي لنفس الوطن- لسنا متشابهين تمامًا لكن يكفي أن كل منا يشعر بقمة الراحة مع الآخر .


" ما قصتك ؟" سألتني و نحن يومًا نجلس في " كافيه جورج سانك " بعد إلحاح شديد منها في نهاية يوم عمل مرهق .

- " قصصت عليكِ كل شيء ."
- " ليس كل شيء ."

نظرت لها متسائلا فأكملت :" لم تقص عليّ ما جرى لأسرتك ."

بقيت صامتًا أنظر إليها , إرتبكت و بدا الحرج على وجهها فقالت :" آسفة , كنت فقط أظن أني أستطيع أن أخفف عنك . لكني يبدو أني .."

-"حادث سير بشع ." قاطعتها

صمتت و مدت يدها نحو ظهر كفي في تردد فمددت يدي الأخرى و أنهيت ترددها بوضعها على ظهر الكف المستقر على المائدة .


- " ( ريما ) ... أنا أحبك ."

لم تتكلم , بقيت صامتة كأنها لم تسمع .

-" متى يمكنني التقدم لك ِ "

أجابت ببساطة أدهشتني :" سأعطيك رقم أخي , إنه كل من بقي لي من أسرتي ."

رفع حاجبيّ بدهشة لسرعة رد فعلها فقالت :" لا تندهش ... لو لم تقلها لقلتها أنا ."

- " بهذه البساطة ؟"

-" العمر أقصر من أن يضيع المحبون أوقاتهم في كلام معروفة نهايته ."


أخرجت من حقيبتها بطاقة صغيرة و قالت :" هذا رقم أخي .. تحدث إليه ."


نظرت للبطاقة , أنيقة بسيطة , مكتوب عليها بحروف لاتينية Fadi ALCHAAK – سمسار شحن و تفريغ معتمد في موانيء المتوسط

حاولت قراءة الإسم الثاني و قلبي ينبض بشدة .. لاحظت تركيزي فقالت :" الإسم الثاني هو الشعك لكن أنت تعلم أنهم يكتبون هنا العين A مكررة , إسمه (فادي الشعك) "


( XII )

كنت قد عدت لمنزلي بعد لقائي بها و ب(فادي ) بأيام , أعد نفسي للسفر السريع .

ما يدهشني هو أني لم أصدر أي رد فعل للمصادفة المذهلة , كنت قد رأيت في حياتي ما جعلني لا أندهش مهما رأيت مجددًا . عدوي القديم , قاتلي , معي في بلد واحد , و من دون كل فتيات العالم لا أميل إلا لشقيقته . ألم أقل أن القدر هو أعظم المؤلفين .

أعترف أني ممرت بلحظات رفض و عدم تصديق . عربدت في رأسي أفكار عدة : تجاهل الأمر و الإستمرار في مشروع الزواج , فكرت في ترك كل شيء و الرحيل لبلد آخر , حتى الإنتحار فكرت به . ثم تدريجيًا ذهب ذهول الصدمة و بدأ التفكير المنظم يسود الموقف .

أبلغت الأصدقاء القدامى الذين وقفوا إلى جانبي منذ قدمت إلى باريس , أن ثمة عملا مرموقًا معروض عليَ في الوطن , و أني سأتزوج هنا في باريس , في مقر الجالية , ثم أسافر مع عروسي . باركوا الأمر و وعدوني بالتعاون .


لم أقل لهم ما عملت من وجود (فادي) هنا .. أعلم أنه كاذب و أن من يطارده ليس العدو القديم , بل هي تصفية حسابات قديمة بين الفصائل . حتى أني لم أندهش من هذا رغم مرور سنوات على ما فات , لا بد أن ثمة أمور من نوعية " عرف أكثر من الازم " أو أن ثمة أمر سري لم ينته بعد , لا يهم .

شعرت ببعض الذنب إذ أخفيت عن من ساعدوني أن المجرم القديم الذي طالما بحثوا عنه كان في باريس على بعد شوارع منهم , لكن لا حيلة لي في إخفائي . إبلاغهم يعني كشف كل شيء ل(ريم) . كما أن هذه معركتي و عليّ أنا إنهائها .

دخلت غرفتي , نظرت إلى سريري , عليه السموكن الأنيق , القميص المكوي , البابيون الصغير , و مسدس بكاتم صوت .. للإحتفال !


( XIII )


" آلو (عصام) كيف حالك يا عريس ؟"

-" مرحبًا ( فادي )."

-" ماذا بك ؟ صوتك يبدو متعبًا ."

إصطنعت ضحكة –"هو توتر ما قبل الزفاف ."

ضحك كثيرًا ثم قال :" حسنًا , سأمر عليك بعد قليل لمساعدتك في الإستعداد ."

-" ستترك ( ريما ) وحدها ؟"

- " لا تقلق , صديقاتها معها , النساء يجدن هذه الأمور كما تعلم ."

-" حسنًا .. أنا في إنتظارك ."



كل شيء يسير كما خططت له . سأطلب منه مساعدتي في حلاقة ذقني ليدخل معي الحمام , حيث يسهل تنظيف آثار العمل , سأضع المسدس تحت المنشفة , ثم الباقي معروف .

طلقة أو إثنتان , الجثة يسهل التخلص منها , فأنا أسكن وحدي في منزل في الحي السادس عشر , حيث الهدوء و الخصوصية , و من السهل نقلها مع السلاح في سيارتي و إلقاءهما في النهر . عمل بسيط لمن يحمل خبرة مثلي إستمدها من عمله في المقاومة , و لو كان لمدة قصيرة .

الإتهامات لن تطالني , الرجل مطلوب أصلا , و هكذا لن يتهمني أحد , و لن تعلم شقيقته حقيقته المخزية .. ستتألم كثيرًَا , أعلم هذا لكن لا مفر .. سأجعلها تنسى , أنا واثق من هذا . كما أني بهذا أحميها , من أدراني أن لا يحاول البعض قتلها هي تنكيلا بشقيقها ؟ أو قد يطالها الأذى بغير قصد ممن يقصدون (فادي).

ما يضايقني هو شعور غريب .. شعور أني بعد أن كنت "أكره " هذا الرجل , أصبحت " أؤدي واجبًا يقتضي أن أكرهه " . ملامحه الوديعة , رقته مع (ريما) , حديثه الودود معي ... شعور بأن في حياته مطاردٌ أقصى العقاب , و في خزيه لإضطراره للكذب على شقيقته الوحيدة أعتى نكاية .

بعد أن كنت أبغضه بشكل طبيعي , أحسني أبغضه على سبيل الواجب .

إستغرقت أفكاري دقائق , أخرجني منها قسرًا رنين الهاتف رفعت السماعة لأجد صوت (فادي) المرتبك يصيح :" (عصام ) أحتاج مساعدتك فورًا ."

إضطرب قلبي و قلت :" ماذا جرى ؟ هل ( ريما) ..." قاطعني " بخير بخير ! أرجوك ساعدني فورًا, عملت توًا أن من يطاردونني في طريقهم إليّ بعد أن إقتحموا مكتبي و قتلوا عاملين فيه ! و أنا كنت في طريقي إليك عندما جائني الخبر فإضطررت لتغيير مساري !حاولت الإتصال بالصديق الذي دبر معي أمر هربي من فرنسا لكنه لا يجيب!"

- " ماذا يمكنني أن أفعل ؟"

-" سأعطيك عنوانه ! أخبره بما جرى و قل له ... تبًا !"

صحت :" ماذا حدث ؟"

- " سيارة تلاحقني ! لا بد أنهم هم .. (عصام ) ! إذهب لصديقي , إٍسمه (بيير) , قل له أن يرسل لي فورًا من ينتظرني عند حدود باريس بسيارة أخرى و سلاح و هوية , أسرع بالله عليك ! هاك العنوان و سأحاول الإفلات من السيارة المطاردة !أنت الوحيد الذي يمكن أن أثق به ! "

أعطاني العنوان فكتبته على عجل .. و ... جلستُ

بقيت أحدق في الورق بشرود لا يتناسب مع إنفعالي الشديد .


يا للحيرة


يمكنني الآن أن أنقذه لأٌقتله بنفسي

و يمكنني أن أترك لغيري أمره

عدوي , قاتلي , مدمري

لم يرني سوى مرة واحدة .. لكنه وثق بي

لم يتحدث معي إلا مرة , ثم إعطاني عنقه


لكن ما يدهشني أني لست سعيدا ..

وجه (ريما) دموع لوعتها تقف أمامي

ما زالت بي حيرة

أساعده لأنتقم بنفسي ؟
أتركه لمصيره؟
أم أنقذه , و .. و ... أعيش متناسيًا ثأري ؟


أفقت من شرودي لأجدني قد قمت و إستقللت سيارتي .. بل و أدرتها و سرت بها ..

إلى أين أذهب ؟

لماذا لا أتركه لمصيره ؟ ألم أكن أنوي قتله ؟ ترى هل كنت سأتردد بهذا الشكل عند التنفيذ لو سارت الأمور كما خططت لها ؟

هل كانت ستقف في وجهي عندئذ ملامحه الوديعة , رقته مع (ريما ) , حديثه الودود معي ؟

لا أعرف ...

فقط أعرف أني منطلق بالسيارة بشكل آلي , في طريق رئيسي يودي لكل الطرق ..


يمكنني أن أذهب لصديقه , يمكنني أن أعود أدراجي , فقط وجدتني أضحك فجأة كالمجنون لشيء واحد ...


لقد نسيت مسدسي في المنزل ...






( تمت بحمد الله تعالى )


وليد فكري

الإسكندرية , 11 من سبتمبر 2007م


Tuesday, October 9, 2007

مـــاذا بَـــعـــد ؟



حسنًا , قمت بإختيار إسم للمدونة , إخترت شكلا و تصميمًا خاصين , ثم ماذا بعد ؟

ماذا سأفعل على هذه الصفحات ؟ ماذا يكون المحتوى ؟ هل أجرب أن يكون الغرض من هذه المدونة توجيه كل سباب و شتيمة , ممكنة و غير ممكنة , للحكومة و الدولة و السياسات الخارجية و الداخلية من أول مصر و حتى ما خلف مجرة درب التبانة ؟

هل أجرب الجو الشاعري فأملأ موضوعاتي بصور فيروز وسيلين ديون و أكتب عن تمزقي الداخلي بشعور هو مزيج من السعادة الكئيبة و الحزن الملون بلون الآكاجو , و رغبتي في أن أتلاشى في جزيئات ثقب أسود ينقلني إلى عالم ديزني لاند , ثم أضع في نهاية المقال تفسيرًا عبقريًا لكل هذا هو " إنه الخريف , فصل الحزن النبيل " , بينما التفسير الطبيعي من أي طبيب نفسي يحترم نفسه هو أن صاحب هذه السطور مصاب بالميلانوخوليا التي لا أعرف ما هي , أو أنه , على أفضل تقدير , تحت تأثير سيجارة بانجو معتبرة !

ماذا عن السفالة ؟ آها ! السفالة !
أي أن أقوم بكتابة مقال لاذع به ما لذ و طاب من ألفاظ بارعة البلاغة , و تعبيرات عبقرية الصياغة , جنسية الدلالة بالطبع , تهم كل شاب لا يرى لأي جزء في جسده أهمية سوى عضلة صغيرة متفاوتة الطول !


مسألة محيرة أليست كذلك ؟!

تبًا!

حسنًا , حتى مع هذه الحيرة أنا ملتزم بالكتابة ! لا أعتقد أنكم ترضون أن تكون مدونتي المسكينة مجرد كمالة عدد .

المشكلة هي .. ماذا أكتب ؟>