Monday, December 1, 2008

لأننا يجب أن نعرف العدو





عن الإيدز


إن الخطوة الأولى للتصدي للمرض هي معرفته و الإلمام بكل ما يتعلق به و الدراية بحقيقته و أبعاده و نطاقه , و أية معركة مع مرض الإيدز , خاسرة , ما لم يسبقها تَسَلح دوري منتظم بالمعلومات الكافية لمواجهة المرض بشكل يكفل , كأضعف الإيمان و على سبيل الخطوة الأولى, السيطرة عليه , تمهيدًا للهدف الأساسي و هو القضاء عليه تمامًا .

من هذا المُنطَلَق , نتحدث عن مرض الإيدز :


- ينبغي أولا أن نفرق بين الفيروس المسبب لمرض الإيدز , و المرض نفسه. الفيروس إسمه HIV و هو إختصار لعبارة Human Immunodeficiency Virus و ترجمتها "فيروس نقص المناعة" , و مرض الإيدز AIDS و هو إختصار لعبارة Acquired immune deficiency syndrome أي "متلازمة فقد المناعة المكتسبة".


-
- الفيروس قد يكمن في جسم الإنسان لفترات طويلة تصل أحيانًا كثيرة لعدة سنوات يمكن له خلالها الإنتقال لأجسام بشرية أخرى من خلال بعض الطرق التي سيتم بيانها لاحقًا , ثم بعد فترة الكمون يبدأ الفيروس في ممارسة نشاطه بمهاجمة جهاز المناعة مضعفًا كفائته تدريجيًا , وصولاً إلى إلغائها تمامًا .. هنا يتحول المصاب من حامل لفيروس HIV إلى مصاب بمرض الإيدز .
-
- مرض الإيدز , كما يبدو من إسمه "متلازمة فقد المناعة المكتسبة" , هو عبارة عن إنهيار في المنظومة الدفاعية في جسم الإنسان التي تتولى حمايته ضد أية هجمات خارجية من إصابات فيروسية أو إلتهابات أو تلوثات بالفطر أو البيكتيريا أو التعرض للإصابات السرطانية . الأمر الذي يعني أن المريض يصبح ببساطة شخصًا معرضًا في كل الأوقات للإصابات سالفة الذكر دون أية قابلية من جهازه المناعي لبذل أدنى جهد للتصدي الفعلي ها حتى و إن كانت بسيطة بالنسبة لغير المصاب بالمرض .و نظرة سريعة لكل المؤثرات المحيطة بنا و ما يمكن أن يتعرض له الفرد في حياته اليومية من تلوث أو إصابات أو ميكروبات و خلافه , تجعلنا ندرك كارثية وجود مرض كالإيدز في حياة أية جماعة بشرية .

يتم إنتقال العدوى عن طريق بعض سوائل الجسم , كالدم و إفرازات المهبل و السائل المنوي , و يهاجم الفيروس كرات الدم البيضاء المسئولة عن حماية الجسم من الإلتهابات و التَسَرطُن .

-تم تشخيص مرض الإيدز لأول مرة , في بداية الثمانينات من القرن العشرين, و أُعلِنَ وجوده رسميًا في الخامس من يونيو من عام 1981 كمرض غريب يصيب المناعة , بينما تم إعلان إسمه رسميًا "الإيدز" سنة 1982 . و كانت التشخصيات الأولى بين صفوف كلا من ممارسي الشذوذ الجنسي و المدمنين على الحقن المخدرة , تحديدًا أولئك الذين قد يتداولون نفس المحاقن عند التعاطي. ربما لهذا السبب إرتبط مرض الإيدز في أذهان الكثيرين بالإنحلال الأخلاقي و أصبح المريض به , أيًا كانت أسباب الإصابة , معرضًا للإتهامات الجاهزة له بالفساد الخلقي و موصومًا بالعار من محيطه , إلى حد تبروء أسرته منه في بعض المجتمعات , و هي بالطبع فكرة عامة خاطئة تحتاج إلى تصحيح .

- فالإدمان و ممارسة الجنس غير الآمن , كالزنا و الشذوذ الجنسي بكل أنواعه و صوره , ليستا الوسيلتان الحصريتان للإصابة بالفيروس و من ثَم بالمرض . بل أن ثمة أسباب أخرى , كالتعرض لنقل دم ملوث , أو إنتقال المرض من الأم الحامل لطفلها , و أحيانًا من المعاشرة الزوجية بين إثنين طرف منهما حامل للفيروس . كما قد تنتقل أحيانًا أكثر ندرة بسبب التلوث الناتج عن الإهمال أوالجهل , كتلوث الأدوات الخادشة للجلد كأدوات دق الوشم أو مشرط الحلاق الصحي الذي يعمل بالموالد مثلا .. و إن كانت هذه الطرق الأخيرة نادرًا ما تنقل العدوى بسبب طبيعة الفيروس الضعيفة , حيث أنه يموت بمجرد تعرضه لدرجة حرارة 56 مئوية فهو شديد الضعف خارج جسم الإنسان , بعكسه داخله .

- تلك الطرق سالفة الذكر تؤكد خطأ معلومة أن المصاب بالفيروس أو المرض , هو شخص منحل أخلاقيًا , إذ أن نسبة لا بأس بها من الإصابات تأتي نتيجة الإهمال و هو إن كان يضر المصاب إلا أنه لا يشينه , فمن الخطأ محاسبته على أمر لا يد له فيه .

- و من الأفكار الخاطئة عن الإصابة بفيروس HIV تلك التي تضيف لأسباب الإصابة به تعاملات يومية نمارسها جميعًا و لا علاقة لها بالمرة بالعدوى , حتى إن كان أحد أطراف تلك التعاملات حامل للفيروس أو مصاب بالإيدز . من هذه الممارسات, و حتى إن كان من شأن غير الصحي منها نقل أية عدوى بأمراض أخرى كالأنفلوانزا أو الأمراض الجلدية , على سبيل المثال لا الحصر , المصافحة , التقبيل و المعانقة , إستخدام أدوات المائدة , التزاحم في الأماكن الضيقة , إستخدام دورات المياه , النزول إلى حمامات السباحة , تبادل الملابس ..إلخ .. كلنا تقريبًا يمارس بعض هذه النشاطات البشرية , و إن كان بعضها غير صحي , كإستخدام نفس المناشف أو التواجد مع مريض بمرض جلدي معدي في مكان ضيق , إلا أنها لا تنقل فيروس HIV فطرق نقله مبينة على سبيل الحصر و أية إضافة لها دون سند علمي هي من قبيل مخالفة المنطق , إذ لو صَح أن واحدة أو إثنتان فقط من الممارسات المبينة , تنقل الفيروس , لكان من الطبيعي أن يصاب به معظم البشر في وقت قياسي !


-الوسيلة الوحيدة لإثبات إصابة الشخص بالفيروس أو المرض هي الفحص المعملي الدقيق , في المعامل المجهزة بالوسائل العلمية الكافية لإعطاء نتائج دقيقة تقرر وجود الإصابة من عدمها . و الفحص إما أن تكون نتيجته سلبية بأن يقرر خلو جسم صاحبه من الفيروس أو أنه مصاب به لكنه لم ينتقل لمرحلة المرض و هذا بأن تكون الأجسام المضادة للإيدز لم تتكون بعد , و تُسَمَى تلك المرحلة بالمرحلة الشباكية , أو قد تأتي نتيجته إيجابية و هذا يعني أن الجسم قد كون بالفعل الأجسام المضادة للإيدز و هذا يعني أنه مصاب بالمرض . في حالة ثبوت إصابة صاحب التحليل بالفيروس أو المرض , تحاط نتائج التحليل بالسرية عن أي شخص آخر غيره , و هذا إحترامًا لخصوصيته و درئًا لأية أضرار نفسية أو مادية أو إجتماعية قد يتعرض لها إذا لم تُحتَرَم سرية الفحص .

-لو حدث, لا قدر الله , أن ثبتت إصابة أحد الأشخاص بالفيروس أو المرض, ينبغي التعامل معه فقط على أنه مريض يحتاج رعاية طبية , أيًا كان سبب إصابته و أيًا كان مستوى تدهور حالته الصحية . فمن أقصى درجات الظلم و التعنت معاملته على أنه منحل يستحق ما أصابه أو شخص محكوم عليه بالموت ميئوس من نجاته. فالمجتمع السوي هو الذي يتعامل مع الفرد بما هو عليه لا ما كانه , و التعامل العلمي العملي مع المرض , أي مرض , ينبغي أن يتجرد من أية مؤثرات داخلية أو خارجية غير السعي للتصدي لهذا المرض على مستوى الفرد أو الجماعة البشرية كلها . و ينبغي التوفيق بحرص و حزم بين إتخاذ التدابير اللازمة لمنع إنتقال العدوى من المصاب للسليم , و بين عدم إنتهاك حقوقه كإنسان له الحق في إحترام الكرامة و تقديم العون و المساعدة و الدعم .

و للأسف, مرض الإيدز يُعَد من الأمراض التي لا علاج حاسم لها , على الأقل حتى الآن , و إن كانت ثمة عقاقير توَجَه لمهاجمة الفيروس و القضاء عليه قبل نشاطه ,و أخرى قد تطيل عمر حامل الفيروس عشرون عامًا , عن طريق تنشيط جهاز المناعة لتعطيل قدرة أنزيم ال"ترانسكريبتيز" الذي يفرزه فيروس الإيدز و يدفع به الخلايا المناعية لإنتاج الفيروس .و حتى هذه يعد إستخدامها شديد الندرة لكثرة المصابين في الدول الفقيرة خاصة مع إرتفاع تكلفة مثل تلك العقاقير . تلك الحقيقة المؤلمة ليست , بأي حال من الأحوال , مبررًا لإستسلام المريض أو أسرته أو معالجيه من العلاج , فإن ثمة فارق كبير بين "إدراك" حقيقة و خطورة الوضع و بين "الإستسلام" له , فالأول ضروري للتعامل مع المشكلة و إيجاد حل لها و تجنبها , أما الآخر فهو بمثابة ضرب عرض الحائط بالإيمان بالله و العلم و حقيقة أن عشرات الأمراض كانت كارثية قديمًا و الآن هي بلا أدنى خطر و علاجها هو أسهل شيء .


بالنسبة لتاريخ الفيروس و المرض ,بعض السجلات الطبية تُرجِعهما أساس للقرود الأفريقية و تُرَجِح إنتقال الفيروس منها للإنسان بشكل أو بآخر , ربما لتشابه أعراض مرض الإيدز بأخرى مرتبطة بمرض مشابه يصيب بعض أنواع القرود . و قد سُجِلَت حالة إصابة بفيروس HIV لبحار إنجليزي في الكونغو سنة 1959 , بينما تُظهِر بعض التحليلات الطبية وفاة رجل أمريكي سنة1969 بمرض أعراضه و ظروفه تتوافق مع تلك الخاصة بالإيدز , و كذلك بحار نرويجي توفي سنة 1976 بمرض له نفس الأعراض . الأمر الذي يُرَجِح قِدَم المرض عن عِقد الثمانينات .

في عام 2007 , بلغ عدد المصابين بمرض الإيدز , على مستوى العالم , 33مليون مصابًا , منهم 2.7 مليونًا من المصابين الجدد , و وفاة مليونيّ مصاب , هذا وفقًا لتصريح برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز و المنشور بتاريخ 29 من يوليو 2008 . و قد أعلن البرنامج أن الجهود لمكافحة المرض تحسنت و إن لم تساهم بشكل كبير في تراجع أعداد المصابين به .

أفريقيًا , يبلغ نصيب القارة السمراء من المصابين بالمرض على مستوى العالم 67% بشكل عام , و 60% من نساء العالم المصابات بالمرض , من أفريقا , بالإضافة لأن نسبتها من المصابين على مستوى شباب العالم هي 75% تقريبًا .

عربيًا , تُسَجِل الأمم المتحدة حالة إصابة كل 20 دقيقة , و في العام 2006 وحده أضيفت 68ألف حالة إصابة جديدة و 36 ألف حالة وفاة , بينما يصل مجموع المصابين بالمرض , إلى أكثر من نصف مليون عربي . و تتصدر السودان قائمة الدول العربية المحتوية على أعلى نسبة إصابات بالإيدز .

على مستوى مصر , أعلن رئيس لجنة الصحة بالبرلمان في تصريح لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ العاشر من يوليو 2008, أن عدد المصابين بمرض الإيدز في مصر بلغ 3151 مصابًا .

كل تلك الأرقام , عالميًا و محليًا , تشير لأعداد الحالات "المسجلة" بينما يصعب تخيل الأرقام الواقعية المضافة إليها تلك التي لم تُسَجَل لأسباب كثيرة , كضعف سُبُل الإحصاء في بعض البلدان , و إحجام الكثيرين عن إجراء إختبارات كشف الفيروس و المرض , و التوترات السياسية و العسكرية بالذات في بعض بلدان القارة الأفريقية , فضلا عن التعتيم في بلدان أخرى , كل هذا يشير لأن نسبة المصابين سواء كانوا حاملين لفيروس HIV أو مصابين بمرض الإيدز , قد تزيد نسبتهم كثيرًا عن الأرقام المعلنة رسميًا ..

بالنسبة لحماية الأفراد من الإصابة بالعدوى الفيروسية و من ثَم بمرض الإيدز , تتنوع الوسائل و السُبُل . فبالنسبة لنقل الدم كمصدر شهير لإنتقال الفيروس , تُجري بنوك الدم و المستشفيات و كل الجهات المختصة الفحوصات و التحاليل اللازمة للتأكد من خلو الدم من فيروس HIV أو أية إصابات أخرى , كذلك تُصاغ التشريعات المُجَرِمة لأية عمليات إهمال أو غش في أكياس الدم. أما عن العلاقات الجنسية , مشروعة أو غير مشروعة , فيتم تعميم التوعية لضرورة تجنب "الجنس غير الآمن " و هو إقامة علاقات جنسية بين طرفين , ليس موثوقًا من خلو أحدهما من الفيروس , دون إستخدام واقي ذكري . كما تقوم الدول المُصَرِحة بالدعارة بعمل حملات تفتيشية دورية على بيوت الدعارة للتأكد من خلو العاملين بها من الأمراض الجنسية . كذلك تُلزِم بعض التشريعات الراغبين في الزواج أن يقوموا بعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامة كل منهما .

تختلف بالطبع طرق التوعية و رسالتها من مجتمع لآخر , بحكم إختلاف الثقافات و المباديء من مجتمع لآخر ,فبالنسبة للمجتمعات الشرقية , و العربية بالذات , تأخذ التوعية بالوقاية أبعادًا أخرى أخلاقية و دينية و إجتماعية , تقوم على توجيه الأفراد لتَجَنُب الجنس "غير الشرعي" أي الخارج عن نطاق العلاقات الزوجية المشروعة , حيث أن هذا هو الأكثر عملية و ملائَمة لطبيعة الإنسان الشرقي الذي يأخذ الدين و التقاليد المحافظة و الإلتزام الخُلُقي مواقع الصدارة في وجدانه . بالتالي ينبغي , منطقيًا و عمليًا , التركيز على تلك الدوافع لتضييق الخناق على مرض خطير يُمَثِل الإنفلات الجنسي و الأخلاقي سببًا أساسيًا لإنتشاره . و طالما أن ثمة آليات طبيعية داخلية في الإنسان العربي لوقايته من الإصابة , فلماذا لا تأخذ موقعها كالمحركات الأهم في سبيل التصدي لكلا من فيروس HIV و مرض الإيدز؟ تليها مباشرة التوعية بضرورة إجراء الفحوصات للراغبين في الزواج , والمتعاملين بشكل مباشر مع المرض نفسه و المرضى , كممرضيهم و أطبائهم, و كذلك الذين تورطوا في أية علاقات جنسية غير آمنة سواء خارج أو داخل مصر .

إذن فهناك واقع يقول أن في المجتمع العربي نطاق أوسع لمظلة الوقاية , ينبغي التركيز على تدعيمه و تقويته و توسيعه , أما تجاهله والتركيز "فقط" على الوقاية من "الجنس غير الآمن" بإستخدام الواقيات , فهو إهدار لإمكانيات كبيرة لا تحتاج لتقويتها إلا لجهد جدي حازم .

هذه هي المعلومات المبدئية عن الفيروس و المرض , نقدمها إعترافًا منا بمبدأ "إعرف عدوك " و هي ضرورية للأفراد في المقام الأول , إذ أن للمختصين مراجعهم العلمية المستفيضة في شرح كل ما يتعلق بالمرض .