Wednesday, October 29, 2008

عن المجرمين الذين كادوا أن يكونوا رسلاً




"إسلام" هذا الطفل الذي ترى صورته على يسار الصفحة , قُتِلَ ! قُتِلَ بضربة مباشرة قوية متعمدة من رجل يبلغ ضعف عمره , أو أكثر ..

إسلام لم يُقتَل على ناصية شارع مشبوه , لم يلق مصرعه في مشاجرة بين زمرة من البلطجية, إسلام فقد حياته في فصله في مدرسته الإبتدائية في إطار ممارسة مدرس لدوره "التربوي التعليمي" !!

أنا لا أرد التحدث هنا عن تدهور مستوى المعلم ولا عن الفوضى المعربدة في جنبات المنظومة التعليمية المصرية , إن كان مازال يوجد شيء بهذا الإسم , أنا أتحدث عن واقع وجود شخص ذو سلوك عنيف يصل لحد الإجرام , في حرم مدرسة .. أيًا كانت الصفة التي تواجد بها هذا الشخص في هذا المكان..

فما دمنا نتحدث عن جريمة "قتل خطأ" أو "ضرب أفضى إلى موت" فالأوصاف تختلف , لا يوجد هنا "تلميذ و أستاذ" يوجد "مجني عليه و جاني" "مجرم و ضحية" إذن فالسؤال هو :" ما الذي أوصل هذا المجرم لموقع الأستاذية من الضحية؟"
هذا يدفعنا للسؤال التالي :" على أية أسس تقرر وزارة التربية و التعليم أن هذا الشخص أو ذاك "شخص صالح لتولي مهمة التعليم من خلال الإضطلاع بوظيفة المعلم" ؟ هل هي التقديرات الجامعية ؟ أم "الموجود يسد"؟ أين موقع التقييمات السابقة لقبول المتقدم للوظيفة من الإعراب؟ لو كانت غير موجودة فهذه مصيبة و لو كانت تُطَبَق بالفعل و رغم هذا وصل هذا المجرم و أمثاله لموقعهم التعليمي فهذه كارثة !!

هل منكم من يرونني متحاملاً أو مبالغًا ؟ بحق الله !!خذوني بقدر عقلي و فسروا لي وجود مجرم ذو سلوك عدواني عنيف , في مدرسة إبتدائية , بصفة معلم , بقرار من المسئولين في وزارة التربية و التعليم !!! هل هذا نوع من المزاح الثقيل أو المبتكر مثلا ؟!!

ربما يقول البعض "كل مكان قابل أن يوجد به من يخالف القانون و يتحول في لحظة لمجرم " هذا صحيح , لكن أن يكون هذا في مدرسة و أن يكون هذا الشخص متوليًا مهامًا تربوية و تعليمية بها , و أن لا يمر بمراحل تصاعدية لنشاطه الإجرامي بل في لحظة واحدة يتحول من مدرس رياضيات بسيط إلى متهم بالضرب المفضي للموت , الموجه لطفل لا يزيد عمره على 11 سنة , هنا لا يمكن أن نقول أنه مجرم كغيره ! خاصة أنه إرتكب جريمته بمناسبة أو أثناء ممارسته وظيفته , حسبما كان يعتقد على الأقل..
و ليت الأمر توقف على هذا الرجل فقط , أو إقتصر على تلك الحالة فحسب , لكننا نتحدث عن أمر شهدناه قديمًا حالة شاذة , عندما كنا نطالع في الصحف خبرًا عن مدرس ضرب طالبًا فقتله أو أصابه بعاهة جسدية أو نفسية , و كان الخبر يتخذ صدر صفحة الحوادث موقعًا له , و العنوان كان يُكتَب عادة بخط أحمر كبير .. أما الآن فقد إتخذ الأمر صفة الإعتيادية فصغر خط العنوان و تأخر الخبر عن صدارة الصفحات..

"مدرس يفقأ عين طالب- مدرس يجلد تلميذ بالحزام- مدرس يشج رأس طالب - مدرس يقتل طالب - مدرس يتحرش بطالب أو طالبة , جنسيًا !!!

هل من المفترض أن نعتبر كل تلك الحالات , حالات فردية عادية جدًا ؟ هل يجبر العقاب الإداري و الجنائي للمدرس المخطيء , الكسر الذي يصيب إحساس الأب و الأم بالإطمئنان على أبنائهم ؟ لو أني أبًا , ماذا يستفيد إبني أو أستفيد أنا لو قامت وزارة التعليم بمجازاة مثل هذا المعلم أو حتى فصله , أو لو تم سجنه أو حتى سحله في ميدان عام , مادام من الوارد تكرار الأمر مجددًا و مجددًا و مجددًا ؟؟ هناك باب مفتوح على مصراعيه لكل ذي عقدة نقص أو كبت جنسي أو إنحراف سلوكي أن يأخذ لقب معلم و يتولى مسئولية مجموعة من التلاميذ أو الطلبة , و أن يهبوا له قيامًا و يعتدلوا له قعودًا على طول اليوم الدراسي , و نحن جميعًا نعلم أنه يمكن في أية لحظة أن يحمل لقب مجرم أو بلطجي أو قاتل !! هل تدهور بنا الحال لهذه الدرجة ؟ هل خريجي مصر كلها إنعدم بينهم من يصلح لتولي مهمة التعليم حتى أصبحنا نقبل كل من هب و دب معلمًا ؟

لا أقول أن لا توجد معايير لتوظيف المعلمين .. لكني أتحدث عن غياب معيار أساسي بها هو المعيار النفسي .. لدينا واقع يقول أن المدرسين إنتشر فيهم العنف بشكل بشع ..و بالله عليكم لا يقولن لي قائل "حسنوا أوضاعهم ثم بعد ذلك حاسبوهم" نحن لسنا مطالَبين بقبول سقوط العشرات و المئات من ضحايا فساد التعليم حتى ينصلح حال المدرسين و يصبحوا قابلين للمحاسبة.. و ما دامت لدينا نماذج كثيرة مشرفة لمعلمين حقيقيين محترمين , فلا عذر للمنحرف ! لا عذر بالمرة!!

للأسف ما يجري هو نتيجة طبيعية لثقافة العنف المتفشية في المجتمع بشكل عام .. و لثقافة "عصا الأستاذ-الفلقة- أوضة الفيران" المنغرسة في تراث التعليم المصري بشكل خاص .. فمن منا لا ترتبط الصورة النمطية للمعلم عنده بالعصا الخيزرانية الرفيعة ذات اللسعة الموجعة ؟ و من منا لا يرتبط عنده شيخ الكُتّاب بالفلقة و المد على باطن القدم ؟ من لم يسمع يومًا عبارة :" كنا نرى المدرس مصادفة بالطريق فنغير طريقنا رهبة و هيبة " و يقولها بكل فخر .. بالله هل هذه تربية ؟ لا المدرس عمر بن الخطاب ولا التلميذ شيطان حتى يسلك فجًا غير فج المعلم !!

سيقول الكبار :"هكذا تربينا كنا مؤدبين" قل :"كنتم خائفين! و إتخذتم خداع أنفسكم بإقناعها أن الخوف إحترام ,كيلا تواجهكم حقيقة أنكم تعلمتم الخوف من المعلم فصرتم تتحاشون مخالفته لا رغبةً عن مضايقته لأنكم تحبونه , بل خوفًا من عقابه لأنكم تخشونه!! فأية تربية هذه نجني ثمارها الآن ضحايا ثقافة العنف التعليمي؟!

الضرب ممنوع قانونًا .. إداريًا و جنائيًا ..داخل المدارس و خارجها.. إذن فثمة واقع مضحك هنا يقول أن المدرس لو ضرب الطالب فبادله الطالب الضرب ليوقفه , فالطالب هنا في موضع الدفاع الشرعي عن النفس !! هل حقًا بلغنا هذا الحد ؟؟ هل يحتاج الأمر أن تتحول علاقة المدرس بالطالب إلى "حقي و حقك " و أن تدخل بينهم ثقافة"الجرجرة في المحاكم" ؟

الأمر معقد.. و علاجه ليس بسيطًا.. يبدأ أولا بإلغاء الضرب في المدارس و تجريمه , لا على الورق بل بشكل فعلي صارم , مدعوم بالقوانين الإدارية و الجنائية المغلظة.. و أن تختفي صورة شيخ الفلقة و مدرس الخرزانة ..و أن يفهم المدرس أنه يتعامل مع مجموعة من البشر لا قطيع من البقر , لو إفترضنا أن ضرب البقر أمر مقبول أصلا !! و أن يتخذ التقييم النفسي قبل و أثناء ممارسة المعلم لعمله مكانًا محترمًا من العملية التعليمية ..

و حتى يتم هذا , فكل مسئول في وزارة التربية و التعليم يحمل في رقبته دم و صحة و نفسية و سلامة كل طالب يتلقى إعتداءًا على إحدى هذه الأشياء الغالية ... هم في عنقه أمام الله و أمامنا !


وليد