Tuesday, April 22, 2008

سُــــكَـــر بَـــنَـــت - Caramel






برشاقة و على نغمات التانجو تقدم لنا الكاميرا حلوى الكاراميل و تدور بنا بين الفتيات الأربعة الاتي يقمن في مرح بطقوس تسخين السُكَر على الطاسة و صنع سكر البنات .


لَيال , نسرين , ريما و جمال , ثلاث فتيات و رابعتهن إمرأة في منتصف العمر تتمسك بأهداب شباب يبدو لها أجمل من تركه .

الأربعة تتشاركن العمل و إدارة "Coiffeur "Si belle " و بعد إنتهاء العمل تتشاركن هموم الحياة . لَيال (نادين لبكي ) غارقة في حب رجل متزوج و لديه طفلة صغيرة, و لا لا تلقي بالا لإعجاب الشرطي الشاب يوسف (عادل كرم) ,الذي يعمل بالشارع ,بها , نسرين (ياسمين المصري) مسلمة مخطوبة لشاب ينتمي لأسرة مسلمة متدينة , يحاول توجيهها من ناحية المظهر للتماشي مع طبيعة أسرته , و هي توافقه على مضض لحبها الشديد له, ريما (جوانا مكرزل) ذات المظهر و الأسلوب و الطابع الذكوري بملابسها الصبيانية و سيجارتها و طريقتها الخشنة , و التي تبقى شخصية غير مفهومة للمشاهد , ثم تبدأ بعد الريبة تتكون حول ميولها الجنسية , سرعان ما تتحول ليقين عندما نلاحظ طريقة التعامل المتبادلة بينها و بين إحدى زبائن المحل, بينما هي تصد توددات شاب وسيم لها , و أخيرًا جمال (جيزيل عواد) المرأة الناضجة جسدًا , لكنها تملك عقل فتاة في الخامسة و العشرين , التي تمر بأزمة منتصف العمر , فتسعى بإصرار مثير للشفقة لإثبات أنها ما زالت شابة , بحيل دفاعية نفسية مثل التقدم لإختبار لإختيار فتيات إعلانات , أو وضع بعض الدم المصطنع على فوطة صحية و تركها في الحمام بشكل واضح .

على هامش هذا العالم البناتي , و في البناية المقابلة تعيش قصة من أجمل و أقسى القصص الإنسانية , قصة روز و لِيلِي , زور الخياطة العجوز الودود التي تعيش وحيدة مع شقيفتها , العجوز أيضًا ,لِيلِي Lili (عزيزة سمعان) المريضة عقليًا . لِيلِي تخرج كل نهار لجمع الأوراق من الشارع و قرائتها , زعمًا منها أنها تبحث عن رسالة من خطيبها السابق الذي سافر و تركها , في مشاهد كوميدية مبكية قاسية على النفس . روز (سهام حداد) يدق الحب بابها متأخرًا في هيئة مسيو شارل (ديميتري ستانيوفيكسي) , الفرنسي العجوز الوحيد الذي يتردد على المحل كل حين بحجة ضبط البذلة و تبدأ لغة الأعين تعمل عملها , بينما هو يتحجج بتقصير البنطلون أو تضييق السترة ليتمكن من قضاء وقت أطول مع روز , لكن ليلي تتوهم أنه يحبها هي فتقضي الوقت في مقاطعتهما حتى تخرج روز عن صبرها و تضطر لزجرها بقسوة مؤلمة .

نعود لبنات السكر الأربع , لنجد ليال ترفض تقبل حقيقة أن حبيبها مضطر لتركها لأنه أخيرًا إختار أن يتفرغ لأسرته الصغيرة . و هي لا تقبل تلك الحقيقة ففي يوم ذكرى لقاءهما تسعى لإستئجار غرفة بأحد الفنادق لتعد له حفلا لهذه المناسبة , و تعاني بين الفنادق لأن كل الفنادق المحترمة تطلب إثباتًا أن مستأجريّ الغرفة زوجان , مما يضطرها في النهاية لإستئجار غرفة بفندق حقير من فنادق الدرجة الثالثة يملكه مصري جلف فج المظهر لا يهتم بالتأكد من وجود علاقة زوجية بين مستأجري غرفه , في إشارة لم أفهمها و لست متأكدًا حتى أنها مقصودة , فلماذا إقحام شخصية المصري بالذات في العمل ما دامت جنسيته غير مؤثرة إطلاقًا في المحتوى إلا إن كانت نادين لبكي تسعى للإشارة لمسألة معينة ؟(الأمر الذي تكرر عندما كانت ليال تجلس مع أسرتها متضجرة من فيلم مبتذل يشاهده أباها و أمها و يبدو من الصوت و أغنية ريكو أنه فيلم مصري)

نعود لليال , التي قضت وقتًا مرهقًا في تنظيف الغرفة القذرة و تزيينها بالبالونات و وضع التورتة و الشامبانيا ثم تزيين نفسها و إنتظار الحبيب . و بالتأكيد كما هو متوقع , لم يأت . و أتت الصديقات الثلاث للبحث عن ليال و مواساتها , ثم بسرعة ننتقل لمشكلة أخرى , هي مشكلة نسرين التي صارحت الفتيات أن خطيبها بسام (إسماعيل عنتر) ليس أول رجل في حياتها و أنها فقدت عذريتها في علاقة سابقة , و بسام بالطبع لا يعرف. و سرعان ما يأتي الحل في أن تذهب للمستشفى مع ليال و جمال و تأخذ موعدًا لإجراء عملية إعادة غشاء البكارة , طبعًا بإسم مستعار , في مشهد كوميدي يُظهِر إرتباك الثلاثة الشديد و حقيقة أنهن على تجاربهن مجرد فتيات !

في هذا الوقت تكون ريما وحيدة في المحل مع فتاة جميلة تأتي شبه يوميًا بحجة تصفيف شعرها , و تتبادلان النظرات في إشارات لم تجد المخرجة نفسها مضطرة معها لتقديم أية مشاهد توضيحية أكثر , في أمر يُحسَب إخراجيًا لنادين لبكي , بغض النظر عن الموقف الديني و الأخلاقي للمشاهد من الأمر برمته .

أما جمال فحياتها كالعادة سلسلة من المحاولات للبقاء شابة و لو بالمظهر , من مبالغة في الزينة , للتمرينات الرياضية أمام برامج اللياقة بالتلفزيون , فضلا عن تجارب الcasting و تمثيليات الدم على الفوطة , سالفة الذكر .



نعود لروز و ليلي . روز تزداد تعلقًا بمسيو شارل حتى أنها تذهب لمنزله لتوصيل ملابسه إليه , و تشرب معه الشاي , ثم في اليوم التالي تجد رسالة منه مكتوبة على زجاج المحل تدعوها للقاءه في أحد المقاهي .

أخيرًا تقرر روز تنفيذ نصيحة فتيات التجميل الأربع , و تذهب لتصفيف شعرها و الإعتناء بمظهرها . ثم تعود لمنزلها الكائن أعلى المحل للتزين و إرتداء فستان أنيق . و لكن ليلي التي تتملكها غيرة طفولية من شقيقتها لأنها تظن بعقلها البسيط أن شارل يحبها هي لا روز , تستمر في مضايقة أختها بأفعال طفولية هازلة , تجعل روز تفقد أعصابها , و تطردها من الغرفة لتتفرغ للتزين , ثم فجأة تتوقف و قد أدركت حقيقة وضعها كالراعية الوحيدة للمسكينة المختلة العقل التي تنتظر حبيبًا مبهمًا لا يأتي , فتمسح الماكياج عن وجهها و هي تبكي بينما ليلي تدق الباب مستعطفة و معتذرة من أختها بعبارات طفولية مؤلمة تزيد من بكاء روز الذي يبلغ ذروته عندما تهتف ليلي من وراء الباب بعاطفة شديدة " بحبك يا روز " , فتفتح روز الباب و تعانق أختها بحنان أموي . بينما تنتقل الكاميرا للمقهى حيث يقوم شارل ببطء يائس و يرحل صامتًا عن المقهى بعد طول إنتظار و يكون آخر ما نشاهد منه هو خطواته الحزينة في بنطلونه الذي قصرته له روز كما كان يطلب كل مرة ليطيل بقاءه معها .


في هذا الوقت تتداخل شخصيتان مع الأحداث , يوسف , ضابط الشرطة الذي يتودد لليال و يراقبها من مكتبه المواجه لمحلها , و يتدخل لإنقاذ نسرين و خطيبها من موقف محرج تعرضا له مع أحد رجال الأمن , فتعرض عليه نسرين أن يأتي في أي وقت للمحل ل"تضبيط حاله و مظهره " .

الشخصية الأخرى هي زوجة ربيع حبيب ليال , إذ تدعوها نسرين لزيارة المحل و التمتع بخدماته , في محاولة منها لتحقيق رغبة ليال رؤية تلك التي تركها حبيبها لأجلها . ثم تبلغ تلك النقطة الذروة عندما تذهب ليال لمنزل ربيع , أثناء غيابه في العمل , بناء على طلب الزوجة التي تطلب من ليال عمل باديكير لها و هناك ترى إبنة ربيع و تعلم أن الزوجة طلبت التزين في هذا اليوم لأنه عيد زواجهما , ربيع و هي , و تتحدث في بساطة مع ليال عن إعداداتها للحفل بينما تلك الأخيرة تتمزق ألمًا , و في النهاية تهبط من البناية و تجلس على الرصيف باكية و مدركة أن قصتها مع ربيع لا أمل فيها .

و لكن سرعان ما يأتي الحب الجديد , يوسف , الذي يلبي دعوة نسرين و يحضر للمحل في يوم أحد الأعياد الكاثوليكية , ليحسن من مظهره و يصفف شعره , فتفعل لغة النظرات إياها فعلها بينه و بين ليال التي تبدأ تظهر إستجابة منها للمسكين الذي إنتظر طويلا تلك الإشارة .

بعد وقت قليل تقوم نسرين بإجراء الجراحة , و تعود لمنزلها لإعداد جهازها للأنتقال لبيت زوجها , فتختلي بها أمها و تبدأ في توجيه النصائح الحانية لها عن علاقتها بزوجها , في مشهد مؤثر من تلك المشاهد التي إمتلأ بها الفيلم . ثم ننتقل لمشهد الفرح الذي تبدو فيه ريما لأول مرة في زي أنثوي , لم ينجح في محو مظهرها الرجولي الصارخ ! و جمال التي تسعى , كإنما تقوم بعمل إعلان , لترك فوطة ملوثة بالدماء في الحمام , و تزاحم الفتيات المتزاحمات خلف نسرين التي تستعد لإلقاء باقة زهورها من وراء ظهرها , و التي تعتقد الفتيات أن أول من تلتقطها هي التالية للعروس في الزواج . بينما ليال لا تلتقط سوى بعض فضلات الطيور على وجهها , من طائر مرق سريعًا فوق الجمع , بين ضحكات الفتيات و إبتسامة مرحة من يوسف الذي خُتِمَ هذا المشهد على رقصه مع ليال بين الحضور .

و أخيرًا , تعود الأيام لدورتها الطبيعية , الفتيات , في المحل , الذي تدلف إليه فتاة ريما الأثيرة و تطلب أن تقص شعرها بشكل معين كانت ريما قد إقترحته عليها .

ثم ينتهي الفيلم بوجه الفتاة تسير مرحة في الطريق و ترمق إنعكاس وجهها على سطح الواجهة الزجاجية لأحد المحلات .

و في التتر نجد في الأفق مشهدًا لروز , ممسكة بيد ليلي تسندها بحنان و هي تمارس نشاطها اليومي في جمع الورق المبعثر على الطريق , لعل بينها رسالة الحبيب .



------------------------

الفيلم , بغض النظر عن تحفظاتي الدينية و الأخلاقية على الكثير من مواده , هو قطعة من الفن الراقي , مقطوعة سينمائية أدى فيها كل عازف دوره ببراعة و تناسق . المشاهد جائت معبرة قوية خالية من الحشو و المط (بإستثناء جزئية صاحب الفندف المصري سالفة الذكر)

الحوار جاء رشيقًا بسيطًا , تلقائيًا لا إفتعال أو تصنع فيه . كذلك الموسيقى , التي ألفها خالد مزنر , كانت تحفة العمل بتناسقها تلحينًا و توزيعًا مع الأحداث. البيانو , الكمان , و القانون , إحتلوا فيها موقع الصدارة بتناسق بديع .

أغنيتيّ " سكر يا بنات " و " مرايتي " للمطربة رقيقة الصوت رشا رزق , جائتا في مواضعهما السليمة , و لم تكونا مجرد حشو فارغ بل شكلتا جزءً هامًا من المقطوعة السينمائية التي قدمتها نادين لبكي بشكل يستحق الإعجاب الشديد .


نادين لبكي قدمت أداءً عالي المستوى لدور ليال , بشكل بسيط جذاب إنفعالاته طبيعية قوية دون إفراط أو تفريط , و نافستها عن جدارة عزيزة سمعان بدور ليلي , الذي أبكى و أضحك في آن واحد بصورة لا تتوفر إلا لممثلة عبقرية الأداء . كذلك في دور ريما برعت جوانا مكرزل , رغم أني , بشكل شخصي , لم أستطع أن أحب ولا أن أتعاطف مع تلك الشخصية إطلاقًا , بل رأيت فيها شيئًا مشوهًا ممسوخًا لم أتقبله كذكر ولا كأنثى.


و لا أجد ما أختم به الموضوع سوى كلمات أغنية " سكر يا بنات "


" عشقة سَير و سيارات
و صوت سِكَر بنات
و إيدين تغني فيهن
سكر يا بنات
ها الكحل اللي بعينيهن
و ها الشفاف السمر
عم بتبوس بإيديهن
ها الأقلام الحمر
جايي هدية حبيبك
على جنح الطير
باعت لك نسمة تجيبك
بعشقة ها السير
باعت لك نسمة تشيلك
فوق ها الطرقات
عشقة سير و سيارات
و صوت سكر بنات "

----------------------


تحياتي


وليد



No comments: